نيويورك تايمز تتوقع اندلاع مزيد من الصراع بين بغداد واربيل
قالت صحيفة نيويرك تايمز إن مزيداً من الصراع يبدو على وشك الاندلاع بين الحكومة في بغداد وإقليم كردستان في شمال العراق. إذ يتهم المسؤولون الأكراد القوات الاتحادية – دون أدلة مقابِلة – بارتكاب مذبحةٍ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين سيطرت بغداد على 20% من الأراضي التي ظلت طويلاً داخل النطاق الكردي. في المقابل يطالب نواب البرلمان العراقي بإصدار أحكامٍ بالسجن على الأكراد الذين دعموا استفتاء الافصال الاستقلال الذي جرى في 25 من سبتمبر/أيلول الماضي.
لكن وسط ذلك الاحتدام، ظلَّ القادة في بغداد ومعقلَي الأكراد في أربيل والسليمانية يتبادلون المكالمات الهاتفية يومياً تقريباً، على أمل التوصُّل إلى حلولٍ للمشكلات التي فاقمها الاستفتاء، وتهدئة الآلاف من القوات الاتحادية والكردية المحتشِدة على مرمى بصرٍ من كليهما.
وحازت أحاديث القنوات الخلفية أهميةً متزايدة منذ تعثُّر محادثات خفض التصعيد الرسمية في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2017، بعدما عُقِد لقاءان مباشران فقط، حسبما ورد في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية. فقال سعد الحديثي، المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي: “قنوات الحوار والاتصال لم تُقطَع”.
ما هي أكثر القضايا إلحاحاً للأكراد وحكومة بغداد؟
ويقول 3 مسؤولين منخرطين في المحادثات غير الرسمية إنَّهم يناقشون ترتيباتٍ مؤقتة تتعلَّق بأكثر القضايا إلحاحاً بالنسبة لكلا الطرفين؛ أي السيطرة على معبري فيش خابور الحدوديين مع تركيا وسوريا، اللذين يمر منهما نحو خمس صادرات العراق. وضُمِن للمسؤولين عدم الكشف عن هُويتهم كي يناقشوا مسألةً دبلوماسية حساسة.
ويُظهِر ذلك الطعن في تسوية الصراع الطبيعة المتطايرة للسياسة العراقية، التي لا يملك فيها وسطاء القوة الرئيسيين أحياناً أي سلطة رسمية أو انتخابية. وتُسلِّط الضوء كذلك على طيفٍ سياسي مُمزَّق على نحوٍ خطير يمكن أن يختفي فيه القادة المنتخبون بسبب فصائل متنافِسة من داخل حزبهم أو حتى عائلتهم.
وفي حين ساعدت مباحثات القنوات الخلفية في الحفاظ على تدفُّق تجارة النفط، والغذاء، والسلع الاستهلاكية الحدودية مع تركيا وسوريا – إلى جانب المساعدات الإنسانية من العراق باتجاه سوريا – على مدار الأسبوعين الأخيرين، فإنَّها لا تزال بعيدة عن إحداث أي تقدُّمٍ كبير.
ويقول الدبلوماسيون إنَّ عادة العراق بإجراء المفاوضات الحساسة سراً، وفي كثير من الأحيان عبر أشخاص يتحرَّكون تماماً خارج مناصبهم وأدوارهم الرسمية، يمكن أن تكون مُحيِّرة بالنسبة للغرباء عن السياسة العراقية.
وأمر العبادي مستغلاً موجة الانتصارات على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قواته في أكتوبر/تشرين الأول بإعادة بسط سيطرة الحكومة في جميع أنحاء البلاد. ودفعه استفتاء الاستقلال إلى ضم الكثير من المناطق التي ظلَّت طويلاً تحت السيطرة الكردية.
وفي حين لم تصدر أي حصيلة رسمية للضحايا، لقي نحو 65 رجلاً مصرعهم في اشتباكاتٍ أشعلها ذلك التقدُّم، وذلك وفقاً لقائدين عسكريين مُطَّلعين على الوضع. وبعيداً عن الخسائر في الأرواح، أُريق ماء وجه حكومة الإقليم بسبب الانسحابات السريعة من جانب قوات البيشمركة التابعة لها. وخسرت أيضاً الكثير من حقول النفط لصالح القوات الاتحادية، وخسرت معها الاكتفاء الذاتي الاقتصادي الذي عزَّز الحكم الذاتي الفعلي للإقليم منذ 2005.
وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، وبعد التقدُّم باتجاه الشمال وسط بعض المناوشات القصيرة، حفرت القوات الاتحادية خنادق على بعد 10 أميال (16 كيلومتراً) من محطة النفط في فيش خابور ومعبر الشاحنات القريب مع تركيا، التي تُعَد أحد أكبر الشركاء التجاريين لكلٍ من العراق وإقليم كردستان.
ومع وصول التوتُّرات إلى حد الغليان، أعلنت بغداد في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2017 وقفاً لإطلاق النار وجولة من المفاوضات بين القادة العسكريين العراقيين والأكراد.
لكن في 29 أكتوبر/تشرين الأول، انهارت المحادثات، وسط تصلُّب من جانب الأكراد بشأن توازن القوى الذي تبدَّل.
ووفقاً للشيخ جعفر مصطفى، وهو قيادي مخضرم في قوات البيشمركة وكان أحد المفاوضين الأكراد الأربعة، “جمعت المفاوضات بين الأمن والسياسة”، مُضيفاً أنَّ الطرف الذي يُمثِّله لم تكن لديه السلطة السياسية للموافقة على أي اتفاقٍ مع العراقيين.
وأضاف: “كان علينا الحصول على موافقةٍ سياسية على أي اتفاق، ولم يكن أي قرار سياسي سيأتي قريباً”.
وفي تلك المرحلة، زادت دبلوماسية الهاتف بين القادة أمثال نائب رئيس وزراء إقليم كردستان قوباد الطالباني؛ ومدير مكتب العبادي؛ ومدير المخابرات العراقية.
وساعدت تلك العلاقات في الحيلولة دون أي صداماتٍ جديدة قرب الحدود، على الرغم من حشد القوات العراقية، وساعد في إبقاء الممر التجاري مفتوحاً وعلى استمرار تدفُّق صادرات النفط، وإن كان بمعدلٍ أقل، وفقاً لمسؤولين أتراك وعراقيين.
معارضون لخفض التوتر
ومع ذلك، لا تدعم كافة الفصائل في بغداد أو كردستان خفض التصعيد أو اتفاقٍ بشأن الحدود.
ويتضمَّن هؤلاء الساسة العراقيين الشيعة المُقرَّبين من قوات الحشد الشعبي، التنظيم شبه العسكري الذي يتألَّف من عشرات الميليشيات والذي اعترفت به الحكومة العراقية في 2014 باعتباره قوة مساعدة لمحاربة داعش.
ومع أنَّ الميليشيات تخضع للقيادة الرسمية للعبادي، فإنَّ بعض قادتها هم منافسون له في البرلمان ويجاهرون بولائهم الوثيق للحرس الثوري الإيراني.
الجانب الكردي
وفي الجانب الكردي، ليس من الواضح مَن تحديداً بإمكانه فرض أي اتفاقٍ حدودي محتمل.
ويقود منصور البارزاني، نجل مسعود البارزاني، الذي تولَّى منصب رئيس الإقليم لفترةٍ طويلة، قوات نخبة كردية أمنية تدافع عن سلسلة تلال تقع بين وحدة مدفعية عراقية ومعبر فيش خابور. والأسبوع الماضي، قال منصور إنَّه سيُفضِّل القتال حتى الموت على أن يسمح للقوات الاتحادية بالسيطرة على المعبر. لكنَّ ابن عمه، رئيس وزراء حكومة كردستان، نيجيريفان البارزاني، يدعم التوصل إلى اتفاقٍ تفاوضي.
قال صافين دزائي، المتحدِّث باسم نيجيرفان البارزاني: “بطبيعة الحال، حين يكون هناك توتُّر في الميدان وتحدث مواجهات عسكرية، تكون هناك حاجة لنزع فتيل تلك التوتُّرات. وقد حافظ رئيس الوزراء، عبر قنواتٍ عدة، على اتصالاتٍ كتلك مع الحكومة الاتحادية”، مضيفاً أنَّ المحادثات “ساعدت على خلق مزيد من التفاهم وبناء الثقة”.
وفي الوقت نفسه، وفي ثاني أكبر المدن الكردية، السليمانية، يستغرق أقارب الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، الذي توفي الشهر الماضي، في خلافاتهم حول السيطرة على حزب الطالباني والقوات الأمنية الموالية للحزب.
وقد أدَّت هذه الانقسامات بالفعل إلى إحباط محاولة لتفادي صراعٍ عسكري بين بغداد والأكراد. ففي أعقاب استفتاء الاستقلال، بدأ أكبر أبناء جلال الطالباني، بافل، مفاوضاتٍ أحادية مع العبادي. (قوباد الطالباني هو شقيق بافل).
وقال بافل الطالباني، وهو قائدٌ أمني كردي حاصل على تعليمٍ بريطاني ولا يتولَّى منصباً منتخباً ولا دوراً سياسياً رسمياً، إنَّه قام بالمبادرة لمواجهة ما رأى أنَّه عزمٌ راسِخٌ من بغداد لتقليص الحكم الذاتي لكردستان.
وقد اقترح خطةً تسيطر بموجبها قوات من التحالف الأميركي ضد داعش على قاعدةٍ عسكرية كبيرة قرب مدينة كركوك الغنية بالنفط، إلى جانب القوات الاتحادية والقوات الكردية الموالية لحزب أبيه. وسيطر الأكراد على القاعدة منذ 2014، حين انسحب الجيش العراقي خلال هجوم داعش.
وقال بافل الطالباني إنَّ اتفاق القاعدة كان من شأنه أن يمنح العبادي انتصاراً سياسياً في خضم الحماسة القومية في بغداد، بالإضافة إلى السماح للأكراد بالحفاظ على موطئ قدمٍ في ما يراه الكثير من القادة جزءاً ضرورياً من أجل خطط استقلالهم. وتُعَد كركوك مطمعاً لكلٍ من بغداد والأكراد بسبب احتياطاتها النفطية الإستراتيجية.
وقال بافل في مقابلة جرت مؤخراً: “كان ذلك حلاً وسطاً حقيقياً من شأنه الحفاظ على الأرواح”.
وأكَّد مساعدٌ للعبادي ودبلوماسيان غربيان اقتراح هذا الاتفاق. ومنح العبادي بافل حتى 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017 للحصول على ضوءٍ أخضر من القيادة الكردية لتنفيذ الخطة، وإلا فإنَّه سيشن عملية للسيطرة على المنطقة من قبضة الأكراد.
وقال بافل إنَّه لم يتمكَّن من الوصول إلى توافق داخل حزب أبيه السياسي والحزب الحاكم في الإقليم، الذي تسيطر عليه عائلة البارزاني.
ومع تجاوز الموعد، أمر العبادي القوات الاتحادية بدخول كركوك، ثُمَّ التوجُّه أبعد شمالاً إلى الحدود التركية.
اترك تعليقاً