واشنطن بوست: لهذه الأسباب تفتعل السعودية الفوضى في لبنان
وكأننا كنا بحاجة إلى أزمة أخرى في عالمنا المحطم، لكن هذا بالضبط ما يبدو آتيا بعد الاستقالة الغامضة لرئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» من الرياض، السبت قبل الماضي، وإعلان الديوان الملكي السعودي بأن إيران قد تجاوزت خطا أحمر.
والآن، خلقت المملكة العربية السعودية مشكلة جديدة لنفسها مع واحد من أقوى حلفائها، سنة لبنان. حتى أن السنة ينسجمون الآن مع الطوائف المختلفة، وبعضهم غير ودي تجاه الرياض، ويطالبون بعودة «الحريري»، وهو سني أيضا. وسيكون من المستحيل انتخاب رئيس وزراء جديد في لبنان ما لم يعد «الحريري». وهذا هو المأزق الجديد الذي خلقه ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، والآن هو بحاجة إلى حله.
كما أن لدى السعودية مبررها لإعلان الحرب ضد حزب الله، لكن الأمير الشاب، كما أعلن وزيره «ثامر السبهان» مؤخرا، لم يعد يميز بين حزب الله والحكومة اللبنانية.
وقد ظهر اندفاع «بن سلمان» باستمرار، من الحرب في اليمن إلى موجة الاعتقالات التي طالت المعارضين، مرورا باتهام كبار الأمراء والمسؤولين بالفساد. وتشبه خطوة المملكة الحادة ضد لبنان الحصار المفروض على قطر منذ يونيو/حزيران، حيث تأتي الخطوة مفاجئة ودون مجال للتفاوض. وفي الأيام الأولى من الحملة السعودية ضد قطر، بدعم من البحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة، كان الخطاب الساخن والإجراءات المتصاعدة تشير إلى أنه لن يكون سوى مسألة وقت قبل التدخل العسكري في الدوحة.
وقال «السبهان» إن حزب الله «أصبح أداة للقتل والدمار» ضد المملكة، بما في ذلك تدريب الإرهابيين الشيعة السعوديين، ومساعدة الحوثيين على بناء صواريخ إيرانية أسقط أحدها بالقرب من مطار الرياض هذا الشهر، وأنه سيتم التعامل مع لبنان كما لو أنها أعلنت الحرب على السعودية.
وعلى الرغم من الخطابات السعودية والاحتياجات اللبنانية، لا توجد إرادة سياسية كافية في بيروت أو قدرة لدى الرياض لمواجهة حزب الله. ولا توجد قوة قتالية لبنانية تقارن بالقوة العسكرية لحزب الله. ومن المؤكد أن السعودية لن تضحي بمواردها الشحيحة لفتح جبهة أخرى للحرب، في حين لا تزال تعاني من الصراع الطاحن في اليمن.
ماذا عن (إسرائيل)؟
كانت هناك شائعات حول مناقشات سعودية إسرائيلية حول توجيه ضربة لحزب الله، سواء مباشرة أو من خلال صهر الرئيس «ترامب»، «جاريد كوشنر». وإذا كان ذلك صحيحا، فإن التقارير حول اجتماعات في وقت متأخر من الليل بين «بن سلمان» و«كوشنر» في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، وكذلك رحلة «كوشنر» إلى (إسرائيل)، تأخذ معنى جديدا بالنظر إلى الأحداث التي تلت ذلك.
وتجد لبنان نفسها بين شقي الرحى، حيث تريد أن يكون لها علاقات سياحية واستثمارية جيدة مع السعودية، في الوقت نفسه، ترى ما يفعله حزب الله في لبنان وفي سوريا، حيث يحارب أعضاؤه المعارضين ويدعمون ديكتاتورا.
وقد حاولت السعودية، تاريخيا، التأثير على السياسة في بيروت. ومنعت السعودية مواطنيها من السفر إلى لبنان في فبراير/شباط عام 2016، وهددت بمقاطعة الحكومة اللبنانية، ما لم تقطع العلاقات مع حزب الله. كما وافقت المملكة على تسوية لانتخاب «ميشال عون» رئيسا، رغم علاقته الوثيقة مع حزب الله، مقابل انتخاب «الحريري» رئيسا للوزراء، في محاولة لاحتضان حلفاء حزب الله الرئيسيين، لكسب ولائهم، وخلق صدع مع حليف حاسم لإيران.
لكن الاستقالة المفاجئة التي قدمها «الحريري» تعد إشارة واضحة إلى أن «بن سلمان» لم يعد يفضل الضغط على لبنان من القنوات الخلفية.
وقد يعود هذا الأمر، جزئيا، إلى «تأثير ترامب»، وخاصة العلاقة القوية بين الرئيس الأمريكي و«بن سلمان». ويشترك الاثنان في عداوة إيران وحزب الله التابع لها، وهو شعور يشترك فيه الإسرائيليون أيضا. فهل سيدعم «ترامب» السعوديين إذا اختاروا الدخول في حرب مع حزب الله أو حصاره على الطراز القطري؟ بالنظر إلى الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي، حليف لبنان منذ فترة طويلة، إلى الرياض، للتحقق من وضع «الحريري»، فإن السعوديين بحاجة إلى مساعدة ترامب.
واليوم، تعد السعودية أكثر البلدان استقرارا سياسيا واقتصاديا في المنطقة. ولا تستطيع المملكة ولا المنطقة، التي تعاني من الصراعات، رؤية لبنان تسقط. لكن الإجراءات المتهورة التي يقوم بها «بن سلمان» تعمق التوترات وتقوض أمن دول الخليج والمنطقة ككل.
اترك تعليقاً