نصب الشهيد من أجمل معالم بغداد، وأنشأته شركة عالمية منذ ثلاثة عقود كاملة، ومايزال ماثلا للعيان برغم الإهمال، وعدم إحترام التراث الوطني الذي تعودناه منذ 2003 وحتى اللحظة الراهنة التي تشهد نموا في الرغبة بمزيد من الإستمتاع بالأشياء، وبناء المولات، ومدن الملاه والقاعات والكافيهات التي تهتم بنفخ دخان النرجيلة، وتشتيت عقل الشبان، وتحويلهم الى جمادات تافهة.
تزخر المنطقة المحيطة بالنصب بمدن ألعاب قديمة وجديدة، وهناك بحيرة منشأة منذ عقود، وتقوم جهات وأشخاص وأصحاب أموال بالإستثمار في منطقة النصب مايثير التساؤلات عن طبيعة تلك الجهات، وعن المؤسسة المسؤولة عن الإستثمار، وعن جهات رسمية يبدو إنها غير مهتمة إطلاقا بسلامة النصب وبقائه، ومنع المتطاولين عليه.
على بعد أمتار قليلة يتم إستغلال مبان تابعة لنصب الشهيد كمؤسسة إعلامية، بينما تستغل مساحات منه لأعمال لاعلاقة لها بالتراث، ولاتمت له بصلة، وتتلخص الفكرة بتحصيل منافع مادية، ويمكن ملاحظة الأعمال الجارية قرب النصب وهي تساهم في إندثاره وضياعه.
الشتاء الماضي نزلت الى القاعات الداخلية المبهرة أسفل النصب، وتكشف عن هندسة معمارية عالية ومذهلة، وكانت القاعات جميلة، لكن ملاحظات عديدة سجلتها عن المكان، والحاجة الى ترميم النصب وحمايته من التآكل بفعل الأمطار والرياح، وقد لاحظت إن المياه تتسرب من السقف في أحد الممرات وسالت بعض العاملين عن سبب الإهمال مع أن السؤال عن مكان مهمل في بلد مهمل باسره يعد نوعا من العبث وهو مايثير الحزن والالم.
الحدائق الممتدة حول النصب والطرق الواصلة إليه مهملة للغاية، والأشجار متيبسة، والمساحات المائية تحولت الى شبه مستنقعات آسنة، والأرصفة متآكلة، بينما الطرق المعبدة قد نهشتها الحفر، ويبدو إن الإهمال في العراق الجديد يمثل سياسة منظمة لايمكن التغاضي عنها، ولكن ليس بالإمكان فعل شيء حيالها.
كأني أرى أحدهم يضع النرجيلة على جسد شهيد، وينفث الدخان على وجهه، وعينيه الذابلتين.
اترك تعليقاً