ملف سياسة التقاعد المبكر.. وانعكاسها على حياة العراقيين
بعدما سحبت الحكومة مسودة التعديل على قانون التقاعد الموحد من مجلس النواب العراقي، أكدت نخب عراقية أن خفض سن التقاعد بات ضرورة لأجل القضاء على البطالة وضخ دماء شابة في مختلف مرافق الدولة.
وقدمت اللجنة المالية النيابية مقترحاً، في 18 تشرين الثاني 2016، يقضي بتقليل سن التقاعد من 50 إلى 45 سنة وذلك بشراء مدة الخدمة المتبقية من قبل الموظف، ضمن التعديلات المضافة لقانون التقاعد العام لكن لم يتم التصويت عليه داخل اللجنة لغاية الآن.
وكان مجلس الوزراء وافق، في (19 نيسان 2016)، على مشروع قانون التعديل الثاني لقانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014، وإحالته مباشرة الى مجلس النواب.
تقول النائبة عن اللجنة القانونية ابتسام الهلالي، ان “الحكومة سحبت مشروع قانون تعديل قانون التقاعد الموحد من مجلس النواب قبل سبعة اشهر”.
واضافت العبد ربه ان “مجلس الوزراء سحب نسخة التعديل على امل بلورة الدراسة وانضاجها، ثم اعادتها الى البرلمان لاحقا لتأخذ مسارها التشريعي”، مبينة ان “المسودة الجديدة عدلت سقف سنوات الخدمة للتقاعد الاجباري بعمر 60 عاما، والتقاعد الطوعي للموظف في سن 50 عاما على الا تقل سنوات الخدمة عن 20 سنة”.
وتوضح الهلالي ان “السياسة التي تتبعها الحكومات العراقية في التعيين اسهمت وستسهم بترهل الاداء المؤسساتي ما لم يتم اتخاذ معالجات سريعة لذلك كتقليص سن التقاعد”، مقترحة “تخفيض سن التقاعد للعنصر النسوي 50 عاما وللرجل 55 عام بعدما كان سابقا 63 عام ليتناسب مع حجم العمل والخدمة التي قدمها للبلد”.
قبل ان تعمل الحكومة على سحب مسودة التعديل، انهى مجلس النواب القراءة الثانية للتعديل الأول لقانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014، خلال شهر اب من العام الماضي، بعد ان صوت في دورته التشريعية السابقة على قانون التقاعد الموحد اثر تضمينه الغاء الاستثناءات التي تتعلق بتقاعد أعضاء مجلس النواب والرئاسات الثلاث.
وبمقتضى القانون العراقي النافذ، يحال على التقاعد كل من لديه خدمة فعلية تصل الى 30 عاما او بلغ سن التقاعد القانوني وهو 63 عاما.
وبشأن المخاوف من فقدان الدولة العراقية للكفاءات والخبرات المحلية، يقول عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب، عامر فايز، ان “25 عاما من الخدمة الحكومية فترة مناسبة للإفادة من خبرات الموظف الحكومي الذي يكون قد وصل الى مرحلة النضج في اول عشرة اعوام من توظيفه”.
ونوه الفايز الى ان “دوائر الدولة تعاني من فجوة واضحة وكبيرة بين الاجيال القديمة والجديدة وهو ما ينعكس بشكل سلبي على طبيعة اداء تلك المؤسسات الحكومية”.
ويميز قانون الخدمة العامة بين المتقاعدين قبل 2006، براتب قدره 150 الف دينار شهريا، وما بعده بمنحه 80 % من الراتب الاسمي. كما يميز القانون بين الموظفين المدنيين والعسكريين.
يحظى مطلب خفض سن التقاعد الى 45 عاما بتأييد عدد كبير من اعضاء البرلمان، والكتل السياسية الاخرى، لخلق فرص جديدة للعاطلين عن العمل.
وفي وقت سابق اكد مدير هيئة التقاعد الوطنية أحمد عبدالجليل وصول عدد المتقاعدين في العراق الى مليونين و350 ألف متقاعد موزعين على مختلف محافظات العراق، عزا هذه الزيادة الى “ألاوضاع الحالية ومن غصب حقهم خلال فترة النظام السابق وتعويضات ضحايا الإرهاب”.
بدوره يقول الخبير الاقتصادي باسم انطوان، ان ” سياسة التقاعد المبكر لها ايجابيات اجتماعية من حيث امتصاص البطالة، لكنه يحمل في طياته مردودات سلبية على موازنة الدولة من حيث زيادة الانفاق الذي يضر بالتنمية بشل غير مباشر”.
وبين ، ان “فوضى الرواتب التقاعدية في العراق زادت من حدة الترهل الاداري والبطالة المقنعة داخل مؤسسات الدولة”، موضحا ان “سياسة التقاعد المبكر التي يعتزم العراق تطبيقها سيكون مردود سلبي على موازنة الدولة”.
واكد انطوان ان ” احدى المعالجات المقترحة هو خفض سن التقاعد الى 45 عاما ، وذلك لاحالة عدد كبير جدا من موظفيها على التقاعد والابقاء على الكوادر الشابة فقط في ادارة مفاصل تلك الشركات”.
وسبق أن أطلق مواطنون عراقيون في أكثر من مناسبة دعوات لخفض سن التقاعد، ليطلق رواد موقع تويتر للتواصل الاجتماعي وسومات عدة، في هذا الإطار، ليحظى بالكثير من المتابعة ويتحول إلى ساحة للنقاش وإبداء الرأي.
وحذر اقتصاديون من إفلاس صندوق التقاعد خلال الأربع سنوات القادمة بسبب قيام الحكومة باقتراض جزء من أمواله لتسديد رواتب الموظفين وإضافة 40 الف شخص غير موظفين سنويا إلى التقاعد.
وكان المستشار المالي لرئيس الحكومة، مظهر محمد صالح قال إن “السنوات ما بعد 2003 شهدت وجود عدد كبير من المستفيدين من صندوق التقاعد من الذين لم يكن لديهم مساهمات سابقة في الصندوق”، مشيراً إلى أن ذلك “أدّى إلى تناقص المساهمات في صندوق التقاعد، ما يجعل من مخاوف إفلاسه حقيقية”.
وأوضح أن “موجودات صندوق التقاعد انخفضت من 10 تريليونات إلى نحو 8 تريليونات دينار، وهذا ما دفع صندوق النقد الدولي إلى التحذير من احتمال نفاد هذه الموجودات خلال أربع سنوات”، مضيفا “عدد المتقاعدين يرتفع نحو 50 ألف متقاعد سنوياً، وأن 10 آلاف منهم فقط يحالون على التقاعد بشكل طبيعي بعد أن ينهوا خدمتهم”.
من جانبه يؤكد من جديد الخبير الاقتصادي انطوان ان “تقديرات صندوق النقد والبنك الدوليين، تؤكد ضرورة تعديل صندوق التقاعد وتنميته بالنحو الذي يضمن ديمومة تمويله وتوافر المبالغ اللازمة فيه”.
يذكر أن صندوق تقاعد موظفي الدولة، أسس بموجب المادة (18) من قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 المعدل، ويرتبط بهيئة التقاعد الوطنية.
في السياق، اعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ان عدد الموظفين الذين يتقاضون رواتب من الدولة هو اكثر من اربعة ملايين شخص، ما يناهز 20 بالمئة من القوة العاملة في البلاد التي يقدر عدد سكانها بنحو 36 مليون نسمة.
وبحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، فان تقدير الوزارة لعدد سكان العراق حاليا هو 36 مليون نسمة.
واوضح ان “القوة العاملة التي تتراوح بين عمر 14 سنة الى 60 سنة، يشكلون 58 بالمئة من السكان، اي نحو 21 مليون نسمة”.
كما تشكل نسبة العاملين في الدولة نحو 11 بالمئة من مجمل عدد السكان، في بلد يعاني من تراجع حاد في ايراداته نتيجة انخفاض اسعار النفط، وارتفاع تكاليف المعارك على جبهات عدة ضد تنظيم داعش.
ويعتمد العراق على واردات النفط لتمويل 95 % من الموازنة، وينتج نحو 2.5 مليون برميل يوميا، مع توقعات بزيادة الإنتاج إلى 4 ملايين برميل يوميا في ظل استمرار الهبوط بأسعار النفط في الاسواق العالمية
اترك تعليقاً