بعد إعلان الإنتصار على “داعش” .. العراق أمام حرب فكرية وثقافية
بعد ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم “داعش” على نحو ثلث أراضي العراق، أعلن رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي”، السبت 9 كانون أول/ديسمبر 2017، النصر النهائي على تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن طردت القوات العراقية آخر فلول التنظيم من البلاد.
وقال الجيش العراقي إن القوات العراقية أستعادت السيطرة على آخر المناطق التي كانت تحت سيطرة “داعش” على الحدود مع سوريا.
الإنتصار على “داعش”..
قائلاً “العبادي”، في خطاب بثه التليفزيون: “أيها العراقيون: إن أرضكم قد تحررت بالكامل وإن مدنكم وقراكم المغتصبة عادت إلى حضن الوطن.. وحلم التحرير أصبح حقيقة وملك اليد”.
مضيفاً: “لقد أنجزنا المهمة الصعبة في الظروف الصعبة وأنتصرنا بعون الله وبصمود شعبنا وبسالة قواتنا البطلة … وبدماء الشهداء والجرحى أثمرت أرضنا نصراً تاريخياً مبيناً يفتخر به جميع العراقيين على مر الأجيال”.
وتابع قائلاً: “نعلن لأبناء شعبنا ولكل العالم أن الأبطال الغيارى وصلوا لآخر معاقل داعش وطهروها ورفعوا علم العراق فوق مناطق غربي الأنبار، التي كانت آخر أرض عراقية مغتصبة.. وأن علم العراق يرفرف اليوم عالياً فوق جميع الأراضي العراقية وعلى أبعد نقطة حدودية”.
نهاية الحرب..
الحكومة الاتحادية قالت عبر حسابها الرسمي على (تويتر): “القائد العام حيدر العبادي يعلن أن القوات المسلحة العراقية أمنت الصحراء الغربية والحدود العراقية السورية بالكامل، بما يشكل نهاية الحرب على إرهابيي داعش الذين تم دحرهم تماماً وطردهم من العراق”.
وأعلن “العبادي” أن “العاشر من كانون أول/ديسمبر” أصبح عطلة وطنية سيتم الإحتفال بها كل عام.
التحالف يرحب..
من جانبه، رحب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي دعم القوات العراقية في مواجهة تنظيم “داعش”، العراق بهذه الأنباء، وكذلك “بريت ماكغورك”، المبعوث الأميركي الخاص للتحالف، قائلاً في سلسلة تغريدات: “نهنئ رئيس الوزراء والشعب العراقي كله على هذا الإنجاز الكبير، الذي أعتقد كثيرون أنه مستحيل”.
مضيفاً: “نشيد بتضحيات الشعب العراقي وقواته الأمنية والبشمركة الكردية ونسجل إعجابنا بوحدة صفوفهم التي جعلت هذا اليوم ممكناً”.
الخارجية الأميركية تهنئ..
في بيان خاص، هنأت الخارجية الأميركية العراق بتحقيق النصر على تنظيم “داعش”.
خلال شهر تموز/يوليو الماضي، أستعادت القوات العراقية السيطرة على الموصل، المعقل الرئيس للتنظيم في البلاد، في حملة ضارية أستمرت تسعة أشهر وحظيت بدعم التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، ولحق خلالها الدمار بمعظم أنحاء المدينة الواقعة في شمال البلاد.
الإستعداد لتهديدات مستقبلية..
“العبادي” قال: “نحن الآن في مرحلة ما بعد الإنتصار على داعش، وعلى البلاد الإستعداد لتهديدات محتملة في المستقبل”.
مضيفاً: “حلم داعش إنتهى ويجب أن نزيل كل آثاره ولا نسمح للإرهاب بالعودة مرة أخرى، فقد دفع شعبنا ثمناً غالياً من أمنه وإستقراره ومن دماء خيرة شبابه ورجاله ونسائه، وعانت ملايين العوائل من مصاعب التهجير والنزوح.. ولابد أن نطوي هذه الصفحة إلى الأبد”.
محذراً قائلاً: “إننا، وعلى الرغم من إعلان الإنتصار النهائي، يجب أن نبقى على حذر وأستعداد لمواجهة أية محاولة إرهابية تستهدف شعبنا وبلدنا.. فالإرهاب عدو دائم والمعركة معه مستمرة.. ولابد أن نحافظ على هذه الوحدة التي هزمنا بها داعش فهي سر الإنتصار الكبير”.
3.2 مليون عراقي مشردون..
الحرب تركت تأثيراً مروعاً على المناطق التي كان التنظيم يسيطر عليها. وقال بيان صادر عن الأمم المتحدة إن نحو 3.2 مليون شخص لا يزالون مشردين بسبب الصراع.
ونشر زعيم التنظيم، “أبو بكر البغدادي”، الذي أعلن في منتصف عام 2014 قيام دولة خلافة على المناطق التي إجتاحتها الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، تسجيلاً صوتياً في 28 أيلول/سبتمبر 2017، يشير إلى أنه على قيد الحياة، بعد عدة تقارير عن مقتله، وحث أتباعه على مواصلة القتال رغم الإنتكاسات.
ويعتقد أن “البغدادي” مختبئ في شريط حدودي صحراوي بين العراق وسوريا.
وفرض أنصار “البغدادي” وأتباعه؛ حكماً من الترويع على سكان المناطق التي سيطروا عليها، مما أقصى الكثيرين، حتى من السنة، الذين دعموا التنظيم في البداية ضد الحكومة التي تقودها الأغلبية الشيعية.
وأسر التنظيم آلاف النساء من الأقلية اليزيدية، التي كانت تعيش في منطقة جبلية غربي الموصل، وأتخذوهن سبايا فيما قتلوا الرجال.
يوجد على الحدود بين سوريا والعراق..
بعد أن فقد التنظيم معقليه الرئيسيين في البلدين، ينحصر وجوده حالياً في جيب صحراوي آخذ في الإنكماش على الحدود بين سوريا والعراق، وتضيق عليها الخناق أطراف عديدة؛ منها دول بالمنطقة وقوى عالمية.
وواجه التنظيم في العراق قوات الحكومة العراقية، المدعومة من الولايات المتحدة، ومقاتلي “البيشمركة” الأكراد وقوات “الحشد الشعبي” التي دربتها إيران.
حصر السلاح بيد الدولة..
أشاد “العبادي” بقوات “الحشد الشعبي” وبالمرجع الشيعي الأعلى آية الله “علي السيستاني”، الذي أصدر فتوى تدعو للتطوع لمحاربة الدولة الإسلامية أدت إلى تشكيل قوات “الحشد الشعبي”، إلا أنه قال إن على الدولة أن تكون المحتكر الشرعي للسلاح.
قائلاً: “إن حصر السلاح بيد الدولة وسيادة القانون وأحترامه، هما السبيل لبناء الدولة وتحقيق العدالة والمساواة والإستقرار”.
مشيراً “العبادي”، في خطاب النصر، إلي “أن فرحة الإنتصار أكتملت بالحفاظ على وحدة العراق، الذي كان على حافة التقسيم.. وإن وحدة العراق وشعبه أهم وأعظم إنجاز”.
الخروج من البند السابع..
في نفس الوقت، أعلنت وزارة الخارجية العراقية عن صدور قرار من مجلس الأمن بخروج العراق من تحت طائلة الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة فيما يخص “برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء”.
قائلاً المتحدث باسم وزارة الخارجية، “أحمد محجوب”، في بيان، إن جهود وزارة الخارجية العراقية تكللت “بإصدار قرار من مجلس الأمن بخروج العراق من الفصل السابع في برنامج النفط مقابل الغذاء بعد إستكماله جميع الإلتزامات الخاصة بالبرنامج”.
مضيفاً أن الوزارة عملت من خلال ممثليها في “نيويورك” على إجراء مشاورات مع الولايات المتحدة وباقي الدول الأعضاء من أجل إصدار القرار (2390)، والذي “أعتمده مجلس الأمن بالإجماع” الجمعة.
وقضى قرار مجلس الأمن، حسب بيان الوزارة، بأن العراق والأمم المتحدة “نفذا تنفيذاً تاماً التدابير المفروضة وفق أحكام الفصل السابع” بموجب القرارين 1958 (2010) و2335 (2016).
إستعادة مكانته الدولية..
أعتبرت الخارجية أن “القرار الجديد خطوة مهمة في إستعادة العراق لوضعه الطبيعي ومكانته الدولية، وهو يؤكد على إنتهاء إلتزامات العراق وفق الفصل السابع بخصوص برنامج النفط مقابل الغذاء بعد أن تم تنفيذها بشكل كامل”.
وكانت الخارجية العراقية قد أعلنت مطلع آب/أغسطس 2017، إستعادة الأموال العراقية المحتجزة من قبل الأمم المتحدة وفق “برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء”، وتوقعت إنهاء آخر إلتزامات العراق تحت البند السابع بنهاية عام 2017.
النفط مقابل الغذاء والدواء..
فرض مجلس الأمن عقوبات على العراق بعد غزوه الكويت عام 1990، وعام 1996 أقر برنامج “النفط مقابل الغذاء والدواء” لتخفيف آثار الحصار الاقتصادي على المدنيين العراقيين.
ويسمح هذا الفصل بإستخدام القوة ضد العراق “باعتباره يشكّل تهديداً للأمن الدولي”، إضافة إلى تجميد مبالغ كبيرة من أرصدته المالية في البنوك العالمية لدفع تعويضات للمتضرّرين جراء الغزو.
وبهذا القرار يكون العراق قد أغلق أحد أهم وأكثر الملفات غموضاً.
هذا البرنامج التابع للأمم المتحدة، الصادر بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 986، لعام 1995، سمح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة.
قيمة البرنامج وصلت لـ 64 مليار دولار..
وضع هذا البرنامج، حينما ساور مجلس الأمن القلق، في شأن استمرار معاناة السكان المدنيين نتيجة الإجراءات والعقوبات التي فرضت على العراق في آب/أغسطس 1990، كعقاب لغزوه الكويت، فأصدر مجلس الأمن، في نيسان/إبريل 1995، القرار 986، الذي يتضمن صيغة “النفط مقابل الغذاء”. هذا وتؤكد أرقام الأمم المتحدة أن قيمة هذا البرنامج وصلت إلى نحو 64 مليار دولار.
وكان رئيس الوزراء “حيدر العبادي” قد أكد، في الثلاثين من آذار/مارس الماضي، على وجود عمل متواصل بالتعاون مع الأمم المتحدة لإغلاق ملف الفصل السابع، ولفت إلى أن حكومته تؤيد المساعي الأممية لملاحقة “الإرهابيين” ومعاقبتهم، فيما وجه الأمين العام للأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيريش”، نداء للمجتمع الدولي لمساعدة العراق في إغاثة النازحين وإعمار المناطق المحررة.
إنتهاء العمليات العسكرية..
تعليقاً على الأحداث قال، “د. حيدر حميد”، رئيس مجلس خبراء دعم صناع القرار العراقي أن إعلان “العبادي” النصر النهائي على “داعش”، يعني إنتهاء العمليات العسكرية وتحرير جميع الأراضي من سيطرة “داعش”، وبذلك سقطت دولة الخلافة المزعومة بخسارتها أرض التمكين التي مهدت لقيام دولة الخلافة.
الإنتقال إلى المواجهة الأمنية..
موضحاً “حميد” أن إنتهاء العمليات العسكرية لا يعني إنتهاء “داعش” كلياً، وسوف تنقل مواجهة “داعش” إلى المواجهة الأمنية لتصفية وجوده نهائياً في العراق، وهذا يعتمد كلياً على الجهد الإستخباري للقوات الأمنية العراقية، وأيضاً من مرتكزاته مسك الحدود لمنع تسلل المقاتلين والإستطلاع الجوي، إذ مازال التنظيم يحتفظ بخلايا نائمة، وبعض البؤر الإرهابية التي تختبئ في الصحاري التي من الممكن أن تشكل تهديداً جدياً للأمن.
تصفية “الحشد الشعبي”..
مضيفاً “حميد” أن الخبراء هنا يتخوفون من أن يلجأ التنظيم في المرحلة القادمة من القيام بعمليات إرهابية تكون مسرحها المدن والتجمعات السكانية والأسواق وحتى على قواتنا الأمنية، هذا بحد ذاته أهم تحدي سيواجه العراق بعد إنتهاء “داعش” عسكرياً، فصلاً من التحديات الأخرى من ضمنها العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، التي تصر على تصفية “الحشد الشعبي” وإعمار المناطق التي دمرت جراء العمليات العسكرية لإستعادتها من “داعش” وعودة النازحين وتجاوز الأزمة المالية والانتخابات، فضلاً عن محاربة “داعش” فكرياً.
مكاسب الخروج من القرار..
حول الخروج من البند السابع، قال “حيدر حميد”، أن المكاسب التي سيجنيها العراق من هذا القرار؛ هي أنخفاض تكاليف التأمين والشحن بمختلف أشكاله من وإلي العراق، وأن الكثير من التكنولوجيا والتجهيزات المحرمة على العراق ستزول، فضلاً عن أن مناخ لاستثمار والتصنيف الإئتماني للعراق سيحظى على درجة أعلى، وأن الكثير من الأموال المجمدة لدى الأمم المتحدة من برنامجي النفط مقابل الغذاء وفرق التفتيش وغيرهما، ستعود أموالها إلى خزينة الدولة.
إقناع الكويت بالتنازل عن الدعاوى..
لافتاً إلى أن القرار جاء بعد جهود كبيرة بذلتها الدبلوماسية العراقية لتصفية الملفات العالقة، تمهيداً لخروج العراق من البند السابع، ولاسيما مع “الكويت”، فقد نجح المفاوض العراقي في إقناعها بالتنازل عن الدعاوى المقدمة ضد “شركة الخطوط الجوية العراقية” والأملاك الأخرى، وصفاء أجواء العلاقات بين “الكويت” و”العراق” هيأ الأجواء في مجلس الأمن بغلق ملف خروج العراق من البند السابع.
مرحلة جديدة..
المتحدث باسم مركز الرافدين للحوار، “د. طالب محمد كريم”، يقول أن إعلان الإنتصار على تنظيمات الإرهاب و”داعش”، الذي أتلاه رئيس مجلس الوزراء الدكتور “العبادي”، هو إنتصار الخير على الشر، وإنتصار للإنسانية أينما كانت، فقد توجت على أيادي العراقيون الأبطال من وزارة الدفاع والداخلية و”الحشد الشعبي” و”البيشمركة” ومكافحة الإرهاب وأبناء العشائر وكافة التشكيلات التي قاتلت ضد “داعش”.
معتقداً “كريم” أنه درس كبير للعالم أجمع؛ بأن الإرادة الحقيقية إذا عزمت على الفعل وتوحدت الجهود الوطنية لا تقف أمامها أي قوى غاشمة.
موضحاً أن العراق الآن أمام مرحلة ثانية يمكن تقسيمها إلى أمرين، هما:
الأول على كل الجهات التي دعمت الإرهاب لوجيستياً وعسكرياً ومالياً وعززت مواقفه بالفتاوى الضالة ودفع الجهلاء ليكونوا وقوداً للنار، أن يعيدوا مراجعة مواقفهم والنتائج التي ترتبت على أفعالهم الشنيعة المخزية، التي لا يمكن أن يتوافق معها أي عقل حر.
والأمر الثاني: هو مرحلة البناء والعمران، بناء المناطق التي تعرضت إلى إرهاب “داعش” والتخريب الذي حل بالبنى التحتية والفوقية، والأهم من ذلك هو بناء الإنسان فكرياً وسيكولوجياً وتنظيم البنى الاجتماعية التي تتأسس على مبادئ التعايش السلمي والديني، والنظر نحو المستقبل لخلق بيئة آمنة للجيل اللاحق.
تعزيز سيادة العراق..
بخصوص رفع البند السابع، يقول “كريم”، أنه يأتي إكمالاً وتعزيزاً لدور العراق وسيادته، والذي يترتب عليه مساحة واسعة من الحرية ورفع القيود وإعادة الثقة من خلال الدول الإقليمية والعالمية والتعامل مع العراق كدولة تمتلك السيادة الكاملة
اترك تعليقاً