حكاية مفتوحة حول الفساد
قد اتعرض الى الشتائم بسبب ما سأقول لكنه للاسف صادق حد السخرية :
قضية مطاردة “الفاسدين” واعتقالهم وأخذ ثرواتهم التي من المؤكد انهم جمعوها من رشاوى وصفقات كواليس وبيع مناصب ، هي قضية “”خاسرة”” مقدماً .. والحديث عن اشخاص فاسدين نمط شعبوي ينفع للاهازيج وبوستات الفيسبوك ، لكنه لاينفع في البحث عن مستقبل.
هؤلاء الفاسدين ، ليسوا جوهر المشكلة ، لدينا بحدود 100 ملياردير جمعوا كل ثروتهم خلال 10 اعوام واقل .. وهربوها .. وغسلوها ، وعينوا شركات قانونية دولية لتنظيف اية شائبة فيها ، لهذا تراهم اكثر المتحمسين لطرح شعار “محاربة الفاسدين” كما انهم متحمسون لشعار “المدنية” وقبلها “حماية المذهب” و “الدفاع عن الطائفة” او “العروبة” وغدا سيتحمسون ل”الالحاد” اذا طرح كشعار.
المعركة الحقيقية يجب ان تتركز على الدولة ، تلك التي لم يؤسسها النزيهون فقط بل الوصوليون والمسلكيون ايضاً .. وحماية المستقبل يبدأ من ايجاد برامج وقوانين واليات وعقوبات صارمة ، تمنع تكرار تجربة “النهب الجماعي” التي غلفت السنوات الماضية ، وربما في حال سقط احد الفاسدين المخضرمين السابقين في قبضة النظام القانوني الطارد للفساد ، فستكون مكافئة اضافية.
ليست دعوة للاحباط ، لكنها دعوة للتفكير باليات وقوانين تمنع الفساد كهدف يفوق كل الاهداف.
اعدام 50 فاسدا لن يرجع اموالهم ، ولن يمنع الاف وربما ملايين من المستعدين بل “الحالمين” باية فرصة ليفسدوا!
هيئة النزاهة ليست الميدان الطبيعي لمحاربة الفساد.
ولا دائرة المفتش العام.
محاربة الفساد يجب ان تبدأ من المدارس ، يجب ان تكون منهجاً علميا يعلم الناس النزاهة ويدربهم عليها ، مثلما ينصحهم بان النزاهة لاتلقنها المساجد مثلما تلقنها الدولة النزيهة.
محاربة الفساد يجب ان تبدأ بمئات القوانين التي لاترحم فاسدا ولا تمنحه اي فرصة ليس للعودة من “حرامي” الى “سياسي مناضل” بل لاتمنحه فرصة لاستعادة شرفه حتى امام عائلته.
محاربة الفساد يجب ان تبدأ من الرياضيات .. فمن يشتري بيتا بمليون دولار يجب ان يثبت من اين جاء بماله. والا فان زنازين العدالة بانتظاره .
محاربة الفساد يجب ان تبدأ من هيكل الدولة الذي يجب ان يتم تسريح ثلثي موظفيه ليصبح اقل فسادا.
محاربة الفساد يجب ان تبدأ من التكنلوجيا تلك التي لاتمنح للاجتهادات الشخصية الكثير من المنافذ .
سيقع فاسدون اليوم وغدا .. وبعضهم لم يقعوا لاننا اسسنا بيئة نزيهة ، بل لان دورهم قد انتهى ، او ان فاسدا جديدا يريد ان يحل محلهم وهو مستعد لتقمص دور النبي للوصول الى هدفه.
دافعوا عن المستقبل ، عن دولة لاتسمح انظمتها بمليون ثغرة للفساد بل ب 100 ثغرة فقط!
مشرق عباس
اترك تعليقاً