نجحنا، و (رسب) المراهنون على فشلنا !
فالح حسون الدراجي
افتتاحية جريدة الحقيقة
وأخيراً، وبعد انتظار دام اربعة عقود ونيف، تحقق الحلم، وارتدت البصرة بدلة الفرح، لتستقبل بحضنها الدافئ، ويديها السمراويتين، وقلبها الناصع، ضيوفها الأشقاء في بطولة خليجي 25، فكان الاستقبال شعبياً حاراً، وحميمياً صادقاً، ترجمته قلوب الوافدين قبل ان تنشره صحفهم وقنواتهم، وكان السخاء والكرم البصري محط اعجاب ودهشة الأشقاء .. نعم لقد كان اللقاء الأخوي بين الخليجيين القادمين، والبصريين، في الشوارع والأسواق والمطاعم والمحلات يفوق الوصف، حتى ظن بعض الذين لا يعرفون البصريين معرفة جيدة، ان الأشقاء الخليجيين قد يبالغون في وصف البصرة، وطيبة أهلها، وربما يجاملون في التعبير عن كرمهم.. لكنّ القصائد والاغاني والأهازيج التي ألقيت من قبل الأشقاء، وأريج كلماتهم النابعة من سويداء قلوبهم، يجعل المرء يصدق بكل كلمة قالها أشقاؤنا عن البصرة واهلها، كما أن المئات من الفيديوهات التي نشروها في وسائل التواصل الاجتماعي أجبرت العدو قبل الصديق على تصديق هذه المشاهد (الغريبة) عليهم، والتسليم بهذه (الفرادة) البصرية في الحفاوة والتكريم التي لم يحصل مثلها من قبل في أية بقعة كونية أخرى..
إن حميمية اللقاء، وصدق المشاعر، وبراءة العيون، لا تحتاج لدعاية، أو فراسة لمعرفتها فـ “الصب تفضحه عيونه، وتنم عن وجد شئونه” كما يقول الشاعر المصري الكبير أحمد رامي في رائعته لأم كلثوم قبل قرن تقريباً ..
هكذا استقبل البصريون اشقاءهم، وهكذا شعر الخليجيون بحميمية هذا الاستقبال وهم يحطون رحالهم في الفيحاء، ولكن، ماذا عن الوضع الأمني، لاسيما بعد حملة الاعلام المعادية، وبعد أن اشتغل (الآخر ) بكل ما يملك من وسائل ، على إخافة الذين لم يطلعوا جيداً على الأوضاع الأمنية في العراق، حتى ظن البعض أن البصرة جحيم لايطاق، وحالها مثل حال مدينة (سينالوا) المكسيكية التي تحتلها الان عصابات (الچابو)، وتسيطر بنادق المافيا على شوارعها ومراكزها !!إن سياسة الترهيب، والاخافة الخبيثة التي استخدمت مع كل من يبدي رغبة بالمشاركة في خليجي 25، وحضور مبارياتها، فشلت والحمد لله في إقناع ذوي العقول السليمة والضمائر الحية، والقلوب النقية، بعدم السفر ومشاركة العراقيين افراح عرسهم الخليجي !ولكم أن تشاهدوا عدد الفيديوهات التي نشرها الضيوف الخليجيون، لتسمعوا من أفواههم كم تعرضوا للتضليل من قبل (الآخر)، وكم سمعوا من نصائح لئيمة، تحرضهم على عدم الذهاب الى بصرة الخليجي 25 .
ولعل المؤلم في الأمر، أن تجد الأشقاء الخليجيين يرمون جميع تحذيرات المشككين في أكياس القمامة، ويأتون الى كرنفال البصرة بروح واثقة ومعنويات صادقة، بينما تجد (عراقيين) تخلفوا عن المشاركة للأسف وقد كنا نتمنى حضورهم، لما لهذا الحضور من اهمية ودعاية للعراق وللبطولة التي تقام على أرضهم!
وطبعاً، فإن هذا التخلف لايمنعني من الإشادة بكل المبدعين العراقيين من فنانين وصحفيين وأسماء إبداعية كبيرة، لمشاركتهم وجهدهم النبيل في دعم البطولة ورفدها بابداعهم الثر، واسمائهم اللامعة.. سواء في حضورهم أو في نتاجاتهم المقدّمة، لاسيما الذين يقيمون في الخارج، وهم كثيرون جداً.
كما يشمل التقدير والثناء كلّ من وقف خلف نجاح هذه البطولة، بدءاً من مصمم الكأس، مروراً بمن رسم ونفذ الكرنفال والأضواء والديكورات، وبحكومة وادارة محافظة البصرة التي سعت وبذلت واجتهدت من أجل نجاح البطولة، وايضاً وزير وكادر وزارة الرياضة والشباب، والاتحاد العراقي لكرة القدم.. وليس انتهاءً برئيس الفيفا الذي حضر شخصياً فعاليات افتتاح خليجي 25، رغم أن هذه البطولة غير مسجلة في كشوفات وبطولات الفيفا الرسمية.. والشكر يتوجه لرئيس الوزراء الذي – علمت من مصدر موثوق – أنه دعم البطولة بقوة، وذلل الصعوبات المادية واللوجستية التي حاول البعض وضعها في طريق نجاح البطولة.. ولا ننسى وزارة الداخلية التي وقف وزيرها في منفذ سفوان الحدودي يشرف بنفسه على سلامة وسهولة دخول القادمين الى العراق، وهو أمر لم يحدث من قبل في أي بلد، ناهيك من دور ابطال العمليات المشتركة، ورجال الحشد الشعبي، وابطال الاجهزة الأمنية الأخرى التي ساهمت في حفظ الامن وتوفير السلامة للمواطنين والضيوف.. وطبعاً سيبقى الشكر والتقدير الاكبر لكل بصري وبصرية ..
والآن .. ماذا عن حفل الإفتتاح، الذي بشر بعض (الأشقاء) بفشله عبر وسائل اعلامهم، بل أعدوا تقارير اخبارية عن هذا الفشل مسبقاً، ودبجوا مقالاتهم عن (الفشل) قبل الافتتاح بأيام، لذلك راهن بعضهم على اخفاق العراقيين، فخاب ظنهم !!
وها هي علامات نجاحنا متألقة في عيون وقلوب وشاشات وصفحات الخليجيين قبل صفحات العراقيين، وفي عبارات الإشادة والاعجاب التي أطلقها كل من شاهد عرس الافتتاح.. حتى ظن من رآه عبر شاشات التلفاز، أنه افتتاح لبطولة عالمية وليس بطولة خليجية تقام في البصرة لأول مرة .. فهو ليس حفلاً رياضياً فحسب إنما كان تاريخاً يعرض على مسرح الملعب، وقد وقف الممثلون العراقيون الكبار الذين أحببناهم، يجسدون أمجادنا فوق مسرح التاريخ خير تجسيد فنالوا الشكر منا مضاعفاً.. وكان ليل الحفل إبهاراً ساطعاً، أناره المطربون المشاركون بقناديل ابداعهم، وقد لمع في وسطهم شعاع تلك النجمة البصرية الفتية، المعطر صوتها ببعض من شذى مواويل أبيها الشجية.. أما عن الجمهور الذي فاق ال 70 ألف متفرج، فحدث عن روعته بلا حرج.. وهو الذي هتف بحرارة الحب والشوق لكل منتخبات البلدان الخليجية دون تمييز .. وللحق نقول إن حفل الافتتاح كان حضارياً من السطر الأول حتى السطر الأخير، ومدنياً لم يخدش مدنيته أي انتهاك، تجلت فيه كل مفردات الجمال وقيم الحضارة .. وكان كل شيء فيه راقياً: الغناء، والموسيقى، والايقاعات، وباقة الالوان الباهرة، والصور الساحرة..
إذن نجح كرنفال خليجي 25 نجاحاً رائعاً.. ولكن: هل حدثت فيه هفوات، وأخطاء ؟
نعم، حدثت هفوة بسيطة هنا، وخطأ فني صغير هناك، فنحن بشر، والبشر خطاؤون.. وهذه أول مرة نقيم فيها بطولة كبيرة منذ أكثر من اربعين عاماً. لكنّ السؤال الأهم هو: هل غيّر هذا الخطأ صورة العرض الجميل، وهل نال الخطأ البسيط من روعته؟
قطعاً لا، فالصورة سطعت ولمعت وبان نجاحها منذ أول ضوء ظهر في الملعب .
ولا أكشف سراً إذا قلت بأننا كنا نخشى المقارنة مع أحد قبل افتتاح خليجي 25، اما اليوم فلا خوف من المقارنة مع أي افتتاح دولي آخر، فنحن جديرون بالثقة، وفخورون بأنفسنا، وقدراتنا، وأمننا، وواثقون من إمكانية التنافس مع غيرنا على تنظيم بطولات قارية كبيرة وليست خليجية فحسب، فالوضع الأمني عندنا بالف خير، والوضع المالي الحكومي بالف خير، ووضعنا النفسي بأفضل مايكون بعد أن تجاوزنا عقدة التهيب من تنظيم البطولات عندنا ..
لقد كنت شخصياً واثقاً من قوة الوضع الأمني في العراق، لذلك تقصدت أن أضع ثيمة (البصرة مآمونة .. وبيها اللعب يحلى) اساساً في نص أغنية ( الخليجي يامحلى) التي لحنها الفنان علي بدر، وأداها المطربان محمد عبد الجبار وحسام الرسام وأشيد عليها بقية الكلام.. وهذا ناتج عن شدة ثقتي بالوضع الأمني في البصرة.
لقد ربطوا رهانهم بفشل الافتتاح، على عدم حضور الفنان الكبير كاظم الساهر، أما نحن فقد راهنا على حضور (العراق).. وقد حضر العراق كله من الفاو حتى زاخو .. لذلك كسبنا الرهان، وخسر (الآخرون)!
اترك تعليقاً