براءة مديحة معارج و اعدام عبد الزهرة شكارة……!!
سعد الاوسي
ظلت شائعة الوشاية تلاحق المذيعة السمراء الجميلة مديحة معارج لعقود من السنوات بل صارت بكثرة التداول حقيقة مؤكدة، وقد قيل ان وشايتها بزميلتها المذيعة الحسناء سين ادخلتها السجن واوصلتها الى حبل المشنقة لولا ان تداركتها الرحمة وشملها العفو !!!
بل حتى حين نفت السيدة (سين) عن زميلتها اتهام انها سبب سجنها والحكم عليها بالاعدام ، لم يلتفت الناس لهذا النفي المبرّئ و فضلوا ان تكون القصة كما سمعوها وحفظوها وتداولوها وهي ان معارج وشت بها وادخلتها سجن الامن العامة !!!!
ربما لان (سين) نفت الامر بمرور عابر جدا لا يلفت النظر ولا يعلق بذاكرة، كأنها كانت تقول لا و نعم في آن معاً.
وفي حفل عام اقيم لتكريمها روت السيدة (سين) حكاية سجنها بخيال واسع اتسق مع رغبة الحضور المحتفي بها والمتعاطف لتصديق جميع ماتقوله، والمتماهي ايضاً مع المزاج الجمعي العام الذي يدين كل ما حدث في رمن النظام السابق سواء كان المروي عنه صدقا او كذباً وزوراً و تلفيقاً. بعد ان اثبتت سنوات العقدين الاخيربن من الزمن ان البقاء للأكذب والاكثر هذرا وهراءً و بهتاناً وتزويرا ، والدليل ان الكثير من قصص الخيال والفانتازيا الغريبة وجدت آذانا صاغية وعقولا مصدّقة في كل ماقالته وانعكست على اصحابها بمناصب و رواتب و مراتب و مكاسب وامتيازات حتى يومنا هذا رغم ان الجميع يعرف كذبها ويسخر من اباطيلها و اراجيفها و (كلاواتها).
قالت السيدة المذيعة الجميلة التي ظهرت في الحفل بوجه أفل حسنه وانطفأ بريقه،وجسد زاد وزنه وظهرت ترهلاته بفعل سنوات عمرها السبعين التي لا تترك جمالا الا خرّبته ولا نضارةً الا اذبلتها ، لتروي بعيون باكية قصة حكمها بالاعدام بسبب تعليق ساخر افلت منها في غرفة الاخبار بالتلفزيون مع بعض الزملاء اثناء متابعتهم زيارة الرئيس السابق صدام حسين لمدينة البصرة، حيث ظهر وهو يرتدي ملابس كاوبوي وقبعة امريكية .
قالت سين امام زملائها : ما يصير رئيس دولة يلبس هكذا وهو طيلة الوقت يحكي عن الأميركيين.
تقول: (( سرعان ما تم نقل حديثي حرفياً للرئيس !!!! ، وبعد شهر جاء رجال الآمن لمنزلي ونقلوني للامن العام، وخضعت للتحقيق، أمضيت شهراً في مديرية الأمن العام ثم أحالوني لمحكمة الثورة، وتم رفع أوراقي لصدام حسين الذي لا يرحم، وبعد خمسة أشهر جاء قرار رئيس الجمهورية الذي قال فيه تجتث الرؤوس العفنة !!!!
فحكمتني محكمة الثورة بالاعدام !!!)).
والحقيقة ان ماحدث مختلف جدا عما روته السيدة سين واستدرت فيه عواطف ودموع سامعيها او قارئيها فيما بعد.
مختلف جملة وتفصيلا و تسلسل احداثه ومنطقيتها يدلّ برسوخ على الحقيقة التي لاتريد السيدة سين ان يعرفها احد لحساسيتها و حراجتها، ولكن التاريخ يجب ان يكتب بموضوعية وتجرد وعلينا نحن شهوده ان لا نبقى صامتين لاننا بذلك نسهم في الخديعة ونشترك في التزوير.
عام 1991 اثناء القصف الامريكي على العراق وفي ليلة امتزج بها الموت بالحياة، روى لي في ساعة تجلٍّ احد اصدقائي المقربين الذي كان معتقلا سنة 1989 في مديرية الامن العام وتحديدا في موقف (السمتية) كما كان يسميه المعتقلون، انه وضع في زنزانة واحدة مع اثنين من الشخصيات المهمة احدهما اللواء الركن عبد الزهرة شكارة وهو رجل في الاربعينات من عمره طويل القامة وسيم الوجه اسمره، يبدو في ملامحه مزيج من الجدية التي تطبعها مهنته كضابط والطيبة التي يتصف بها اهل الجنوب.
والآخر تاجر ورجل اعمال ثري معروف في اواخر السبعينات من عمره اسمه محمد نعمان الكبيسي.
يقول صديقي ان ظروف الاعتقال القاسية والوقت الذي يطول ولا ينقضي ابدا تجعل زملاء الزنازين يتصاحبون ويتآخون ويتحدثون في كل شئ قضاءً للوقت في بوح يفرغ مكنونات الصدور وينزل فيها بعضاً من السلوى والصبر.
وربما كان لتقارب السن بين صديقي واللواء شكارة اثر في تمتين العلاقة والاخاء بينهما ليفضي كل منهما الى الآخر باسراره، واهمها سبب وجوده في هذا المكان الثقيل الكريه.
قال اللواء عبد الزهرة انه كان على علاقة حب بالسيدة سين وهي معتقلة معه ايضاً في نفس القضية، وانها موجودة الان في طابق اسفل طابق زنازيننا، حيث معتقل النساء، وان حديثاً دار بينهما في جلسة خاصة جمعته واياها، عن اوضاع البلد وقسوة النظام ونتائج الحرب الطويلة مع ايران، وانها سألته في ذلك الحديث : متى ستخلصوننا ايها الضباط الكبار من صدام حسين ونظامه، الا تستطيعون الانقلاب عليه وقتله ؟؟؟
قال اللواء شكارة انه سايرها في الكلام وذكر لها ان هنالك بعض الضباط امثاله غير راضين عما يحدث وانهم سيسقطون الحكم عاجلا ام اجلاً .
وقد فرحت (سين) بهذا الكلام لانها ربما رأت نفسها في تلك اللحظة زوجة رئيس الدولة الجديد !!!
فطوقته بذراعيها وطبعت قبلةً على خدّه تعبيرا عن فرحها.
كان اللواء الركن عبد الزهرة شكارة الذي يعد اصغر من وصل الى الرتبة والمكانة في هذا السن المبكر، يشغل منصبا حساسا في وزارة الدفاع، ربما كان امين سر رئاسة اركان الجيش، و يبدو ان مديرية الاستخبارات العسكرية كانت قد زرعت الاماكن التي يتواجد فيها بالكاميرات والمايكروفونات، وهو اجراء روتيني معروف لكل ذي منصب رفيع في النظام السابق، وربما في انظمة العديد من دول العالم الثالث.
وقد وصلت هذه التسجيلات الى صدام حسين بصفته القائد العام للقوات المسلحة اضافة الى منصبه كرئيس، فأمر باعتقالهما والتحقيق مع اللواء عبد الزهرة لمعرفة حقيقة ماوراء حديثه لحبيبته !!!
وان الرئيس اختار له الاعتقال في الامن العام كي يضمن عدم تعاطف مدير و ضباط الاستخبارات العسكرية مع اللواء شكاره كونه ضابطا محبوبا في الجيش.
وقد روى اللواء شكارة اسرارا اخرى لصديقي رفيقه في الزنزانة عن علاقته بالسيدة سين امتنع عن ذكرها في هذا السياق لانها قد تضرها اجتماعيا وتضر آخرين لا ذنب لهم.
ويبدو ان التحقيق لم يصل الى كشف مؤامرة انقلاب ضد السلطة او حتى التخطيط لها، الا ان قسوة النظام المفرطة المعروفة في التعامل ضد كل من يفكّر بالتغيير او الانقلاب خاصة في صفوف قادة الجيش وضباطه جعلت محكمة الثورة تصدر حكمها بالاعدام على اللواء عبد الزهرة شگارة والسيدة سين.
ولان السيدة سين مذيعة واعلامية معروفة و زوج اختها يرأس تحرير صحيفة يومية في ذلك الوقت، لذلك استجاب صدام حسين لعريضة الاستعطاف التي رفعتها ابنتاها الشابتان اليه بطلب الرحمة وتخفيض الحكم كونها اماً ولديها طفل صغير يحتاج وجودها، امر الرئيس بتخفيض الحكم عنها وتنفيذه في شريكها سئ الحظ.
اعتقد ان الرئيس كان سيخفض الحكم عنها حتى وان لم تسترحمه بناتها في طلبهن، الا انه لم يكن ليرحم الضابط اللواء الركن امين سر رئاسة الاركان، لانه – حسب رؤيته الصارمة- نواة خطر لايجوز تركها لتنبت وتفرّع.
اعدم اللواء عبد الزهرة شكارة رحمه الله بسبب حماقة قول من حبيبته في ساعة نشوة وتفاخر.
و بقيت السيدة سين لتزوّر الحقائق وتروي قصة لم تحدث، ويصدّقها الناس !!؟؟؟
كم في الحياة من اكاذيب
و كم في الموت من اسرار
اترك تعليقاً